سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
{الرياح بُشْراً} قرئ الرياح بالجمع لأنها رياح المطر، وقد اضطرد في القرآن جمعها إذا كانت للرحمة، وإفرادها إذا كانت للعذاب، ومنه ورد في الحديث: «اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً» وقرئ بالإفراد، والمراد الجنس قرئ {نَشْراً} بفتح النون وإسكان الشين، وهو على هذا مصدر في موضع الحال، وقرئ بضمها وهو جمع نُشُر، وقيل: جمع منشور، وقرئ بضم النون وإسكان الشين نُشْر وهو تخفيف من الضم: كرسل ورسل، وقرئ بالباء في موضع النون وهو من البشارة {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي قبل المطر {أَقَلَّتْ} حملت {سَحَاباً ثِقَالاً} لأنها تحمل الماء فتثقل به {سقناه} الضمير للسحاب {لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} يعني: لا نبات فيه من شدة القحط، وكذلك معناه حيث وقع {فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء} الضمير للسحاب أو البلد، على أن تكون الباء ظرفية {كذلك نُخْرِجُ الموتى} تمثيل لإخراج الموتى من القبور، وبإخراج الزرع من الأرض، وقد وقع ذلك في القرآن في مواضع منها: كذلك النشور، وكذلك الخروج {والبلد الطيب} هو الكريم من الأرض الجيد التراب {والذي خَبُثَ} بخلاف ذلك كالسبخة ونحوها {بِإِذْنِ رَبِّهِ} عبارة عن السهولة والطيب، والنكد بخلاف ذلك، فيحتمل أن يكون المراد ما يقتضيه ظاهر اللفظ؛ فتكون متممة للمعنى الذي قبلها في المطر، أو تكون تمثيلاً للقلوب، فقيل: على هذا الطيب: قلب المؤمن، والخبيث: قلب الكافر. وقيل: هما للفهيم والبليد.


{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}
{مِّنْ إله غَيْرُهُ} قرأ الكسائي غيره بالخفض حيث وقع على اللفظ، وقرأ غيره بالرفع على الموضع {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة أو يوم هلاكهم {الملأ} أشراف الناس {لَيْسَ بِي ضلالة} إنما قال ضلالة ولم يقل ضلال، لأن الضلالة أخص من الضلال، كما إذا قيل لك عندك تمر، فتقول ما عندي تمرة فتعم بالنفي {أُبَلِّغُكُمْ} قرئ بالتشديد والتخفيف، والمعنى واحد، وهو في وضع رفع صفة لرسول أو استئناف {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي من صفاته ورحمته وعذابه.


{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
{أَوَ عَجِبْتُمْ} الهمزة للإنكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قال: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم: أي على لسان رجل منكم {فِي الفلك} متعلق بمعه والتقدير: استقروا معه في الفلك، ويحتمل أن يتعلق بأنجيناه {عَمِينَ} جمع أعمى وهو من عمى القلب {أَخَاهُمْ} أي واحد من قبيلتهم، وهو عطف على نوحاً، وهوداً بدل منه أو عطف بيان، وكذلك أخاهم صالحاً وما بعده، وما هو مثله حيث وقع {الملأ الذين كَفَرُواْ} قيَّد هنا بالكفر لأن في الملأ من قوم هود من آمن وهو مرثد بن سعيد، بخلاف قوم نوح، فإنهم لم يكن فيهم مؤمن، فأطلق لفظ الملأ {أَمِينٌ} يحتمل أن يريد أمانته على الوحي أو أنهم قد كانوا عرفوه بالأمانة والصدق {خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكاً {وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً} كانوا عظام الأجسام فكان أقصرهم ستون ذراعاً، وأطولهم مائة ذراع {آلآءَ الله} نعمة حيث وقع {قالوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ} استبعدوا توحيد الله مع اعترافهم بربوبيته، ولذلك قال لهم هود: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} أي حَقَّ عليكم ووجب عذاب من ربكم وغضب {أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ} يعنى الأصنام: أي تجادلونني في عبادة مسميات أسماء، ففي الكلام حذف، وأراد بقوله: سميتموها أنتم وآباؤكم جعلتم لها أسماء، فدل ذلك على أنها محدثة، فلا يصح أن تكون آلهة، أو سميتموها آلهة من غير دليل على أنها آلهة، فقولكم باطل؛ فالجدال على القول الأول في عبادتها، وعلى القول الثاني في تسميتها آلهة، والمراد بالأسماء على القول الأول: المسمى، وعلى القول الثاني: التسمية {دَابِرَ} ذكر في [الأنعام: 45].

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9